«بتر الوجع».. قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

«بتر الوجع» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي
«بتر الوجع» قصة قصيرة للكاتبة فاطمة مندي

إن بتر الوجع كعصاة سليمان مهما صمد فالليل أكلها..

في قريتي، لا أتذكر متي بدأت السرقة، ولكن أتذكر جيدا أنني كنت دائما أسرق سندوتشات وأقلام أصحابي في المدرسة عندما كنت صغيرا، خاصة ابن العمدة، بدأت به.

  والسرقة كانت تجري في دمي مجرى الدم، غية أو عادة تستهويني، ليس لها علاقة بظروفي المادية، التي أعتبرها عادية وأصفها بالمستورة، كحال العديد من أبناء قريتي، والدي مؤذن في جامع القرية، ووالدتي ربة منزل، في حين أن أخي الأكبر يعمل نجار موبيليا .

قبل السرقات كنت أمتهن حرفًا عديدة غير السرقة، فبعد أن قطعت علاقتي بالتعليم الأزهري في الصف الأول الإعدادي، عملت بمهنة نجار وميكانيكي وفي تركيب البلاط، إلى أن استقريت في عمل (شيف حلواني) بأحد محلات القرية، كانت يدي مدربة في عمل أشكال الحلويات.

 إلى أن قمت بسرقة مبلغ سبعة آلاف وخمسمائة جنيه من محل عملي، وعلى الفور قام صاحب المحل بطردي شر طرده.

لا أتذكر عدد السرقات التي قمت بها، وأقسم بأنني قد تخطيت خمسة آلاف عملية سرقة خلال ثلاثة عشر عام، تؤهلني لدخول موسوعة جينس للأرقام القياسية.

 كنت في اليوم الواحد أسرق ثلاثة أو أربعة محال، ممكن أدخل محل لا أحصل منه على شيء، أدخل غيرة وغيره  وأتذكر تفاصيل أول سرقة قمت بها خارج قريتي.

 كانت في قرية قريبة من قريتي، كان حصيلتها خمسة آلاف جنيه من عدد من المحال، لأبدأ منها سلسلة طويلة من السرقات عبر المحافظات، المنوفية والشرقية، كفر الشيخ ، الغربية، وغيرها من المحافظات المختلفة، بعدها أطلق علي أبناء قريتي لقب (الصاروخ)، لبراعتي في السرقة دون أن أترك خلفي دليلًا واحدًا كي يدينني.

أفتخر  بأنني لم  تسجل عملية سرقة واحدة في صحيفتي الجنائية أو حتى لم يتم حبسي على ذمة قضية منهم، بالرغم من أنني قد ضُبط مرات قليلة أثناء السرقة، وفى كل مرة كنت أجيد استخدام أساليب استعطاف ضباط الشرطة والمجني عليهم؛ للتصالح والتنازل عن القضايا.

 كنت حرامي ذكي، وأعمل عبيط لما أتمسك، بالإضافة إلى فخري بأنني لم أستخدم سلاح أبيض أو ناري، طوال عمليات السرقة التي قمت بها، ولم ألجأ إلى مساعدة أي شخص لإتمام عملية منهم.

  وأكبر عملية سرقة كان حصيلتها مبلغ يتخطى ثلاثون ألف جنيه.

وبينما كنت أمارس هوايتي المفضلة، كان أهلي يستخدمون ضدي كل أساليب العقاب والقمع المختلفة، الضرب، والطرد، من المنزل لليالٍ عديدة، وعرضي على أطباء نفسيين.

 كان آخرها عندما قام والدي بمساعدة أخي الأكبر، وطلب مني الامتناع عن السرقة، والمشاكل ، وانتشار السمعة السيئة لهم.

 لكنني في كل مرة كنت أمتنع  عن السرقة لأيام قليلة محاولًا التوبة أفشل، بعدها وأعود مرة أخرى لهوايتي.

 

(وقبل ثورة يناير بسنة ونص، ضميري كان يؤنبني، وابتديت أحس أن أنا أسرق هذه السرقات وأنا مغيب ودون وعي، وإنني ظلمت ناس كتير، وناس كتير تانية أكل عيشها أتقطع بسببي، فكان لازم أتوب وأعلم نفسي بنفسي كيف يكون الأدب، بل وأطبق شرع الله علي نفسي، اللي سرق لازم إيده تتقطع، فكرت كثيرًا، اتخذت قراري بأن ما سأقوم به ما هو إلا العدل في حق الناس وفى حق نفسي، وبجوار قطبان السكة الحديد، اتكأت على بطني ومددت يدي اليسرى وأنا أنطق الشهادتين، حتى عبر فوقها القطار) .

 

 صرخت أمام المنازل والدم بينزف من يدي تحلقت حولي الناس،  بل وطلبوا لي الإسعاف، ذهبت إلى مستشفي الجامعة، أربع أيام وكنت خارج من المستشفى بيدا واحدة،  لكنها أسابيع قليلة لأعود بعدها، إلى هوايتي المفضلة وتساءلت أين ضميري الذي  سرق نومي وراحتي؟!

وسرقت مرة أخرى، ربما بدا لي الأمر أسهل من السابق، فلا أحد يخطر بباله أنني أستطيع السرقة بيد واحدة، إلى أن جاءني مرة أخرى، وسرق نومي وراحتي، بل وسرق أي سلام نفسي وبدوت كالذي مسه جان، وبترت يدي الأخرى لأبتُر معها وجعي وقدرني على السرقة.